فصل: واقعة التتر بحمص ومهلك ابغا سلطانهم باثرها.

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: تاريخ ابن خلدون المسمى بـ «العبر وديوان المبتدأ والخبر في أيام العرب والعجم والبربر ومن عاصرهم من ذوي السلطان الأكبر» (نسخة منقحة)



.مسير السلطان لحصار المرقب ثم الصلح معهم ومع سنقر الاشقر بصهيون ومع بني الظاهر بالكرك.

كان الإفرنج الذين بحصن المرقب عندما بلغهم هجوم التتر على الشام شنوا الغارات في بلاد المسلمين من سائر النواحي فلم رجع التتر عن الشام استأذن بليان الطباخي صاحب حصن الأكراد في غزوهم وسار إليهم في حامية الحصون بنواحيه وجمع التركمان وبلغ الحصن المرقب ووقف أسفله واستطرد له أهل الحصن حتى تورط في أوعار الجبل ثم هجموا عليه دفعة فانهزم ونالوا من المسلمين وبلغ الخبر إلى السلطان فخرج من مصر لغزوهم آخر سنة تسع وسبعين واستخلف ابنه مكانه وانتهى إلى الروحاء فوصله هنالك رسل الإفرنج في تقرير الهدنة مع أهل المرقب على أن يطلقوا من أسروه من المسلمين في واقعة بليان فقعد لهم في المحرم سنة ثمانين وعقد لصاحب بيت الاستبار وابنه ولصاحب طرابلس سمند بن تيمند ولصاحب عكا على بلادهم وعلى قلاع الإسماعيلية وعلى جميع البلاد المستجدة الفتح وما سيفتحه على أن يسكن عمال المسلمين في اللاذقية وأن لا يستنجدوا اسير قلعة ولا غيرها ولا يداخلوا التتر في فتنة ولايمر عليهم إلى بلاد المسلمين إن أطاقوا ذلك وعقد معهم ذلك لإحدى عشرة سنة وبعث السلطان من أمرائه من يستحلف الإفرنج على ذلك وبلغه الخبر بأن جماعة من أمرائه أجمعوا الفتك به وداخلوا الإفرنج في ذلك وكان كبيرهم كوندك فلما وصل إلى بيسان قبض عليه وعليهم وقتلهم واستراب من داخلهم في ذلك ولحقوا بسنقر في صهيون ودخل السلطان دمشق وبعث العساكر لحصار شيزر ثم ترددت الرسل بينه وبين الأشقر في الصلح على أن ينزل عن شيزر ويتعوض عنها بالشقر وبكاس وعلى أن يقتصر في حامية الحصون التي لقطره على ستمائة من الفرسان فقط ويطرد عنه الأمراء الذين لحقوا به فتم الصلح على ذلك وكتب له التقليد بتلك الأعمال ورجع من عنده سنجر الدوادار فأحسن إليه السلطان وولى على نيابة شيزر بليان الطباخي وكان بنو الظاهر بالكرك يسألون السلطان في الصلح بالزيادة على الكرك كما كان السلطان داود فلما تم الصلح مع سنقر رجعوا إلى القنوع بالكرك وبعث إليهم السلطان بأقاربهم من القاهرة وأتم لهم العقد على ذلك وبعث الأمير سلحدار والقاضي تاج الدين بن الأثير لاستحلافهم والله تعالى أعلم.

.واقعة التتر بحمص ومهلك ابغا سلطانهم باثرها.

ثم زحف التتر سنة ثمانين إلى الشام من كل ناحية متظاهرين فسار ابغا في عساكر المغل وجموع التتر وانتهى إلى الرحبة فحاصرها ومعه صاحب ماردين وقدم أخوه منكوتمر العساكر إلى الشام وجاء صاحب الشمال منكوتمر من بني دوشي خان من كرسيهم بصراي مظاهرا لابغا بن هلاكو على الشام فمر بالقسطنطينية ثم نزل بين قيسارية وتفليس ثم سار إلى منكوتمر بن هلاكو وتقدم معه إلى الشام وخرج السلطان من دمشق في عساكر المسلمين وسابقهم إلى حمص ولقيه هناك سنقر الأشقر فيمن معه من أمراء الظاهرية وزحف التتر ومن معهم من عساكر الروم والإفرنج والأمن والكرج ثمانون ألفا أو يزيدون والتقى الفريقان على حمص وجعل السلطان في ميمنته صاحب حماة محمد بن المظفر ونائب دمشق لاشين السلحدار وعيسى بن مهنا فيمن إليه من العرب وفي المسيرة سنقر الأشقر في الظاهرية مع جموع التركمان ومن إليهم جماعة من أمرائه وفي القلب نائبه حسام الدين طرنطاي والحاجب ركن الدين اياحي وجمهور العساكر المماليك ووقف السلطان تحت الرايات في مواليه وحاشيته ووقفت عساكر التتر كراديس وذلك منتصف رجب سنة ثمانين واقتتلوا ونزل الصبر ثم انفضت ميسرة المسلمين واتبعهم التتر وانفضت ميسرة التتر ورجعوا على ملكهم منكوتمر في القلب فانهزم ورجع التتر من اتباع ميسرة المسلمين فمروا بالسلطان وهو ثابت في مقامه لم يبرح ورجع أهل الميرة ونزل السلطان في خيامه ورحل من الغد في اتباع العدو وأوعز إلى الحصون التي في ناحية الفرات باعتراضهم على المقابر فعدلوا عنها وخاضوا الفرات في المجاهل فغرقوا ومر بعضهم برد سلمية فهلكوا وانتهى الخبر إلى ابغا وهو على الرحبة فأجفل إلى بغداد وصرف السلطان العساكر إلى أماكنهم وسار سنقر الأشقر إلى مكانه بصهيون وتخلف عنه كثير من الظاهرية عند السلطان وعاد السلطان إلى دمشق ثم إلى مصر آخر شعبان من السنة فبلغه الخبر بمهلك منكوتمر بن هلاكو بهمذان ومنكوتمر صاحب الشمال بصراي فكان ذلك تماما للفتح ثم هلك ابغا بن هلاكو سنة إحدى وثمانين وكان سبب مهلكه فيما يقال أنه اتهم شمس الدين الجريض وزيره باغتيال أخيه منكوتمر منصرفه من واقعة حمص فقبض عليه وامتحنه واستصفاه فدس له الجويني من سمه ومات وكان ابغا اتهم بأخيه أيضا أميرا من المغل كان شحنة بالجزيرة ففر منها وأقام مشركا وبعث السلطان قلاون بعثا إلى ناحية الموصل للإغارة عليها وانتهوا إلى سنجر فصادفوا هذا الأمير وجاؤا به إلى السلطان فحبسه ثم أطلقه وأثبت اسمه في الديوان وكان يحدث من أخبار التتر وكتب بعضها عنه وبعث السلطان في هذه السنة بعوثا أخرى إلى نواحي سيس من بلاد الروم جزاء بما كان من الأرمن في حلب ومساجدها فاكتسحوا تلك النواحي ولقيهم بعض أمراء التتر بمكان هنالك فهزموه ووصلوا إلى جبال بلغار ورجعوا غانمين وبعث السلطان شمس الدين قرا سنقر المنصوري إلى حلب لإصلاح ما خرب التتر من قلعتها وجامعها فأعاد ذلك إلى أحسن ما كان عليه ثم أسلم ملوك التتر فبعث أولا بكدار بن هلاكو صاحب العراق بإسلامه وإنه تسمى أحمد وجاءت رسله بذلك إلى السلطان وهم شمس الدين أتابك ومسعود بن كيكاوس صاحب بلاد الروم وقطب الدين محمود الشيرازي قاضي شيواس وشمس الدين محمد بن الصاحب من حاشية صاحب ماردين وكان كتابه مؤرخا بجمادى سنة إحدى وثمانين وحملوا على الكرامة وأجيب سلطانهم بما يناسبه ثم وصل رسول قودان بن طقان المتولي بكرسي الشمال بعد أخيه منكوتمر سنة اثنتين وثمانين بخبر ولايته ودخوله في دين الإسلام وبطلب تقليد الخليفة واللقب منه والراية للجهاد فيمن يليه من الكفار فأسعف بذلك والله سبحانه وتعالى أعلم.